بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولهِ الكريم ، وعلى آلهِ وصحبهِ الطيبين الطاهرين .
وبعد ،
المؤمن والبــــــــلاء قُرنــــأء... !!
عن كعب بن مالك (رضي الله عنه) قال ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ( مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع . تفيئها الريح . تصرعها مرة وتعدلها أخرى . حتى تهيج ( وفي رواية : حتى يأتيه أجله ). ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذية على أصلها . لا يفيئها شيء . حتى يكون انجعافها مرة واحدة )
متفق عليه ، واللفظ لمسلم .
ومعنى الحديث : أن المؤمن لا يزالُ يُبتلى في الدنيا بالصحة والسقم حتى الممات ، أما الكافر والمُنافق لهوانهِ على الله عز وجل فقلما يُبتلى ويمرض ، فشبههُ النبي (صلى الله عليه وسلم) بشجرة الأرز الصلبة التي لا تهزها الريح ( أي الأمراض والأوجاع والإبتلاءات ) حتى يكون سقوطها مرة واحدة عند الموت وانتهاء الأجل .
وهذا يؤيدهُ الحديث التالي :
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ( لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة )
مسند أحمد ، وصححه أحمد شاكر والألباني .( وفي رواية : حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة )
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ( ما يصيب المسلم ، من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه )
صحيح البخاري وغيره .
فهنيئاً للمسلم ، وهنيئاً لمن صبرَ واحتسب .
وعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال ، قال (صلى الله عليه وسلم) :
( إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ يقولون نعم ، فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع ، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة ، وسموه بيت الحمد )
صحيح الجامع الألباني حديث حسن ، تخريج مشكاة المصابيح ، وصحيح الترغيب .
الله الله ، ما للعبد المؤمن من جزاءٍ إذا حمد الله عند البلاء والكرب وقال إنا لله وإنا إليهِ راجعون ....
وعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ( من مات له ثلاثة من الولد ، فاحتسبهم دخل الجنة قلنا : يا رسول الله ! و اثنان ؟ قال : و اثنان قلت لجابر : و الله ! أرى لو قلتم واحد لقال . قال : و أنا أظنه ، و الله ! )
حديثٌ حسن في صحيح الأدب المفرد وصحيح الترغيب والترهيب ، وحسنه الألباني .
ثم لنعلم جميعاً أن ما أصابنا ما كان ليُخطئنا ، وما أخطأنا ما كان ليُصيبنا ، وهذا مما قَدّرَ الله عز وجل علينا وكتب :
قال تعالى : ( وإن يمسَسكَ اللهُ بِضرٍّ فلا كاشفَ لهُ إلا هُوَ وإن يُردكَ بخيرٍ فلا رآدَّ لفضلهِ ، يُصيبُ بهِ من يشآءُ من عِبادهِ ، وهو الغفُورُ الرحيمُ )يونس 107 .
وعن ابن عباس (رضي الله عنه) : ( أنه ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلام إني معلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فلتسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف )
أحمد في المسند ، وصححه العلامة أحمد شاكر .
ثم عندما يسخط المسلم أو الكافر عند البلاء والإبتلاء ، فإنما يتسخط على الله عز وجل ، فهو من إبتلى وهو من أصحَّ وأمرض وهو من أغنى وأفقر ، وهو أماتَ وأحيا ، فلا الأسباب ولا حتى ملك الموت يُلام على ذلك ، فإذا كان المُسلمُ مؤمناً أو مُحسناً تقبل ذلك بطيب نفسٍ ورضا ، وإذا كان المُسلمَ ضعيف الإيمان سخِطَ وتسخط ، وعلى منّ ... ؟؟ على الله سبحانه وتعالى .
فمن رضيَّ فلهُ الرضا ، ومن سخِطَ فلهُ السخط .
وعند مسلم من حديث مالك (رضي الله عنه) قال ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :
( كل شيء بقدرٍ حتى العجزَ والكيس )
وعن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له اكتب ، قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب القدر ، ما كان و ما هو كائن إلى الأبد )
الألباني في صحيح الجامع ، وسنن الترمذي .
فالموت والحياة من أقدار الله عز وجل ، ومما كُـتب في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلاق بخمسين ألف سنة ، كما في الحديث التالي :
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء )
سنن الترمذي . ابن تيمية - صحيح في مجموع الفتاوى .
وعن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال : ( كان النبي(صلى الله عليه وسلم) في جنازة ،
كان فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض ، فقال : ( ما منكم من أحد ، إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة ) . قالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة . ثم قرأ : { فأما من أعطى واتقى . وصدق بالحسنى } ). الآية . في الصحيحين وغيرهما .
هذا والله أعلى وأجل وأعلم .
وأهدي هذه الموعظة التي كتبتها على عُجالة ، للأخت هيفاء وذويها خاصةً ،
ولكلِ مسلم ومُسلمة مُبتلى ، لعل الله يُثبتُ بها القلوب ، ويُهدأ بها النفوس ، فتطمئن بقدر اللهِ وإبتلاءه ، فهذا دليل محبة من الله عزوجل ، لا دليل بغض .
فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يكون هذا الطفل في موازينهم يوم القيامة ، ومن أبنائهم في الجنة ، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه .
وأستغفر الله .
الشيخ جميل لافي
30 / 5 / 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق