الأدلة على تحريم الاختلاف بين الأمة الاسلامية وذم ذلك في شرعة الاسلام :
() قال تعالى ﴿ وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين* من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون ﴾ [الروم :31-32] .
() وقال تعالى ﴿ ولا تنازعوا فتشلوا وتذهب ريحكم ﴾ [الأنفال: 46] () وقال تعالى ﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ﴾ [الشورى 13] .
() وقال تعالى : ﴿ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ﴾ [البينة:4] .
() وقال تعالى : ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم ﴾ [آل عمران: 105] .
() وقال تعالى : ﴿ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ﴾ [الأنعام 159].
() وقال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) أل عمران 103 .
() ذكر ابن جرير وغيره من المفسرين أن في قوله تعالى ﴿فرقوا دينهم﴾ قراءتين إحداهما ﴿فارقوا دينهم﴾ أي خرجوا فأرتدوا عنه من المفارقة وثانيهما ﴿فرقوا دينهم﴾ قال ابن جرير: و هذه قراءة عبد الله بن مسعود وعليها قراء (المدينة والبصرة) وعامة قراء الكوفيين قال: وكأن عبد الله تأول بقراءته أن دين الله واحد ، وهو دين إبراهيم الحنيفية السمحة المسلمة ففرق ذلك اليهود والنصارى فتهود قوم وتنصر آخرون فجعلوه شيعاً متفرقة. ثم ذهب ابن جرير إلى أن معنى القراءتين واحد فهم لدين الله مفارقون وله مفرقون. () قال ابن جرير في التفسير (8/105-106) ثم اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله ﴿إن الذين فرقوا دينهم﴾ فقال بعضهم عنى بذلك اليهود والنصارى ، وروى ذلك بأسانيده إلى قتادة والسدي وابن عباس ومجاهد ، ثم قال:و قال آخرون عني بذلك أهل البدع من هذه الأمة الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه وساق أسانيده إلى أبي هريرة – رضى الله عنه-.
() ثم قال : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه بريء ممن فارق دينه الحق وفرقه ،وكانوا فيه أحزاباً وشيعاً وأنه ليس منهم ولا هم منه ، لأن دينه الذي بعثه الله به هو الاسلام دين ابراهيم الحنيفية كما قال له ربه وأمره أن يقول ﴿قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ، ديناً قيماً ملة ابراهيم حنيفاً ، وما كان من المشركين﴾ [الأنعام 161]، فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم من مشرك ووثني ويهودي ونصراني ومتحنف مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضل به عن الصراط المستقيم والدين القيم ملة ابراهيم المسلم فهو برئ من محمد صلى الله عليه وسلم ومحمد بريء منه وهو داخل في عموم قوله تعالى: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيئ﴾ [الأنعام 159].
() ووافق ابن جرير في رواية هذين القولين البغوي(في تفسيره 2/145) و ابن الجوزي (زاد المسير 3/158) و ابن كثير (في تفسيره 2/196) و القرطبي (في تفسيره 7 /104_107 _ ساق كذلك آثاراً تبين أن أهل البدع داخلون في معنى الآية ) و ساق البغوي أحاديث لبيان أن الآية تتناول أهل البدع منها : حديث العرباض بن سارية رضى الله عنه وفيه [ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وأياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة] أبو داود في السنة حديث (46007) ، وأحمد حديث (4/126).
() وساق حديث افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، وحديثاً في اسناده نظر عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ يا عائشة إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً هم أهل البدع والشبهات من هذه الأمة]. وساق كذلك ابن كثير آثاراً تفيد أن أهل البدع والضلال داخلون في عموم الآية الكريمة . ثم قال: " والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق . فمن اختلف فيه ﴿وكانوا شيعاً﴾ أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات ، فإن الله تعالى قد برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه . وهذه الآية كقول الله تعالى: ﴿شرع لكم من الدين ...﴾ الآية.
() دعوة أئمة السنة البارزين إلى وحدة المسلمـين واجتماعهم على الحق وإلى نبذ التفرق والتحزب والاختلاف لأئمة السلف كتب لا تحصى تتضمن الدعوة إلى اجتماع الأمة واعتصامها بكتاب ربها وسنة نبيها والسير على هدي السلف الصالح من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين وإلى نبذ البدع والتفرق والاختلاف.
() وسوف اقتصر على النقل عن بعض الأئمة المعتبرين الذين سارت كتبهم مسير الشمس بين خيار الأمة فلا تحظى منهم إلا بالقبول والتسليم. وهي مصادر أساسية لمن جاء بعدهم من دعاه الحق وأئمة الهدى.
() فمن أولئك الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العُكْبَري المتوفي سنة 387هـ .قال: في كتابه الشهير بـ " الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة": (1)
باب ذكر ما نطق به الكتاب نصاً في محكم التنزيل بلزوم الجماعة والنهي عن الفرقة
أما بعد : فاعلموا يا إخواني وفقنا الله وإياكم للسداد والائتلاف وعصمنا واياكم من الشتات والاختلاف ، أن الله عز وجل قد أعلمنا اختلاف الأمم الماضين قبلنا وأنهم تفرقوا واختلفوا فتفرقت بهم الطرق حتى صار بهم الاختلاف إلى الافتراء على الله عز وجل والكذب عليه والتحريف لكتابه والتعطيل لأحكامه والتعدي لحدوده ، وأعلمنا تعالى أن السبب الذي أخرجهم إلى الفرقة بعد الألفة ، والاختلاف بعد الائتلاف، هو شدة حسد من بعضهم لبعض وبغي بعضهم على بعض فأخرجهم ذلك إلى الجحود بالحق بعد معرفته ، وردهم البيان الواضح بعد صحته وكل ذلك وجميعه قد قصه الله عز وجل علينا وأوعز فيه إلينا وحذرنا من مواقعته وخوفنا من ملابسته . ولقد رأينا ذلك في كثير من أهل عصرنا وطوائف ممن يدعي أنه من أهل ملتنا وسأتلو عليكم من نبأ ما قد أعلمناه مولانا الكريم وما قد علمه إخواننا من أهل القرآن وأهل العلم وكتبة الحديث والسنن.
() وما يكون فيه إن شاء الله بصيرة لمن علمه ونسيه ولمن غفله أو جهله ويمتحن الله به من خالفه وجحده بألا يجحده إلا الملحدون ولا ينكره إلا الزائغوان قال الله عز وجل: ﴿كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ [البقرة: 213]، وقال تعالى: ﴿تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد﴾ [البقرة:253]، وقال تعالى: ﴿إن الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب﴾[آل عمران:19]، وقال تعالى: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون﴾ [الأنعام:159].
() وقال تعالى: ﴿ولقد بوأنا بني اسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ [يونس:93]، وقال تعالى: ﴿وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾ [الشورى:14]، وقال تعالى: ﴿وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة﴾ البينة 4-5 .
() قال الشيخ : إخواني فهذا نبأ قوم فضلهم الله وعلمهم وبصرهم ورفعهم ومنع ذلك آخرين إصرارهم على البغي عليهم والحسد لهم إلى مخالفتهم وعداوتهم ومحاربتهم فاستنكفوا أن يكونوا لأهل الحق تابعين وبأهل العلم مقتدين فصاروا أئمة مضلين ورؤساء في الإلحاد متبوعين رجوعاً عن الحق وطلب الرياسة وحباً للأتباع والاعتقاد.
() والناس في زماننا هذا أسراب كالطير يتبع بعضهم بعضاً لو ظهر لهم من يدعي النبوة مع علمهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء ، أو من يدعي الربويبة لوجد على ذلك اتباعاً وأشياعاً . فقد ذكرت ما حضرني من الآيات التي عاب الله فيها المختلفين وذم بها الباغين، وأنا الآن أذكر لك الآيات من القرآن ، التي حذرنا فيها ربنا تعالى من الفرقة والاختلاف ، وأمرنا بلزوم الجماعة والائتلاف ، نصيحة لإخواننا وشفقة على أهل مذهبنا ، () قال تعالى: ﴿وأعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم﴾ [آل عمران :103] ثم حذرنا من مواقعة ما أتاه من قبلنا من أهل الكتاب فيصيبنا ما أصابهم ، فقال تعالى: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم﴾ [آل عمران:105] فأخبرنا أنهم عن الحق رجعوا ومن بعد البيان اختلفوا، وقال تعالى: ﴿وأن هذا صراطي مستقيماً فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون﴾ [الأنعام: 153] وقال تعالى: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الذين ولاتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه﴾ [الشورى:13]، وقال تعالى: ﴿منيبين إليه وأتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين* من الذين فرقوا دينهم وكانو شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون﴾ [الروم:
() فهل بقي رحمكم الله أوضح من هذا البرهان أو أشفى من هذا البيان . وقد أعلمنا الله تعالى أنه قد خلق خلقاً للاختلاف والفرقة وحذرنا أن نكون في ديننا كهم واستثنى أهل رحمته لنواظب على المسألة أن يجعلنا منهم فقال تعالى: ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين﴾ [هود: 118-119]، ثم حذر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع أهل الأهواء المختلفين وآراء المتقدمين فقال عز وجل: ﴿ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك﴾ [المائدة:49]. وقال تعالى:﴿فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً﴾ [المائدة:48]، وقال تعالى: ﴿ولقد آتينا بني اسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين * وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون* ثم جعلناك على شريعة من الأمر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين﴾ [الجاثية:15-19]، وقال عز وجل فيما ذم به المخالفين: ﴿فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون﴾ [المؤمنون: 53] .
() حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر الحافظ، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره﴾ [الأنعام: 68]، وقوله: ﴿فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه﴾[آل عمران:7]، وقوله: ﴿ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾[الأنعام:153]، وقوله: ﴿وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه﴾ [الشورى: 13]، وقوله: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً﴾[الأنعام: 159]، وقوله: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا﴾ [آل عمران: 105]، وقوله: ﴿وتقطعوا أمرهم بينهم﴾ [الأنبياء:93].
ونحو هذا في القرآن كثير ، قال ابن عباس: أمر الله تعالى المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنه أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
حدثنا أبو القاسم بن عمر ، قال: حدثنا أبو حاتم ، قال: حدثنا الربيع بن نافع ، قال: حدثنا محمد بن المهاجر الأنصاري ، قال: سئل عيسى بن مريم عن الفرقة والاختلاف ما يوقعهما بين الناس ، قال: البغي والحسد وما يلائمهما من المعصية وما يريده الله تعالى بالعامة من النقمة.
ومنهم الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي المتوفي سنة 418هـ رحمة الله عليه قال في كتابه " شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم". ( 1/9-20).
() " أما بعد فإن أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين وما كلف الله به عباده من فهم توحيده ، وصفاته ، وتصديق رسله بالدلائل واليقين والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين . وكان من أعظم مقول وأوضح حجة ومعقول كتاب الله الحق المبين ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار المتقين . ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين ، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثه المضلون.
() فهذه الوصايا الموروثة المتبوعة والآثار المحفوظة المنقولة وطرائق الحق المسلوكة ، والدلائل اللائحة المشهورة والحجج الباهرة المنصورة التي عملت عليها الصحابة والتابعون ومن بعدهم من خاصة الناس وعامتهم من المسلمين واعتقدوها حجة فيما بينهم وبين الله رب العالمين ثم من اقتدى بهم من أئمة المهتدين ، وأقتفى آثارهم من المتبعين ، واجتهد في سلوك سبيل المتقين ، وكان من الذين اتقوا وهم محسنون.
فمن أخذ في مثل هذه المحجة وداوم بهذه الحجج على منهاج الشريعة أمن في دينه التبعة في العاجلة والآجلة وتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها واتقى بالجنة التي يتقى بمثلها ليحصن بحمايتها ويستعجل بركتها ويحمد عاقبتها في المعاد والمآل إن شاء الله.
() ومن أعرض عنها وابتغى في غيرها مما يهواه أو يروم سواها مما تعداه أخطأ في اختيار بغيته وأغواه وسلك سبيل الضلالة وأرداه في مهاوي الهلكة فيما يعترض على كتاب الله وسنة رسوله بضرب الأمثال ودفعهما بأنواع المحال و الحيدة عنهما بالقيل و القال مما لم ينزل الله به من سلطان ،ولا عرفه أهل التأويل واللسان ولا خطر على قلب عاقل بما يقتضيه من برهان ، ولا انشرح له صدور موحد عن فكر أو عيان ، فقد أستحوذ عليه الشيطان وأحاط به الخذلان وأغواه بعصيان الرحمن حتى كابر نفسه بالزور والبهتان.
() ثم تحدث عن أهل البدع المعتزلة وغيرهم وبين فساد مناهجهم وما وقعوا فيه من الضلال والانحراف وافتراءهم على أهل السنة وكيف كان موقفهم من أهل السنة وموقف أهل السنة منهم.
() ثم قال: فهلم الآن إلى تدين المتبعين وسيرة المتمسكين وسبيل المتقدمين بكتاب الله وسنته والمنادين بشرائعه وحكمته الذين قالوا: ﴿آمنا بما أنزلت وأتبعنا الرسول فأكتبنا مع الشاهدين﴾[آل عمران: 53]، وتنكبوا سبيل المكذبين بصفات الله وتوحيد رب العالمين فاتخذوا كتاب الله إماماً وآياته فرقاناً ونصبوا الحق بين أعينهم عياناً وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلمجنة وسلاحاً ، وأتخذوا طرقها منهاجاً وجعلوها برهاناً ، فلقوا الحكمة، ووقوا من شر الهوى والبدعة ، لامتثالهم أمر الله في اتباع الرسول ، وتركهم الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق.
() يقول الله عز وجل فيما يحث على اتباع دينه والاعتصام بحبله والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون﴾ [آل عمران: 103].
() ثم ساق آيات كريمة في الاعتصام بالكتاب والسنة ووجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحاديث في هذا المعنى منها حديث العرباض بن سارية [ وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب ... الحديث].
وحديث ابن مسعود رضي الله عنه [ خط رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا خطاً ... الحديث].
وساق أبواباً تدور في فلك الدعوة إلى السنة والتمسك بها ثم قال: باب ماروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على التمسك بالكتاب والسنة.
() وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم و الخالفين لهم علماء الأمة: رضي الله عنهم، وساق قبله [سياق ما فسر من كتاب الله عز وجل من الآيات في الحث على الاتباع وأن سبيل الحق هو السنة والجماعة.
() ثم قال: سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على اتباع الجماعة و السواد الأعظم و ذم تكلف الرأي و الرغبة عن السنة و الوعيد في مفارقة الجماعة.
ثم قال: سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع إلى أقوالهم المحدثة وآرائهم الخبيثة.
() وساق اللالكائي تحت هذه الأبواب آيات وأحاديث وآثار كثيرة استغرقت صحائف كثيرة من ( ص 69-150) من الجزء الأول ولا يتسع المقام لاستقصاء ما ساقه هذا الإمام من أبواب ومما حوته من نصوص وآثار عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
() أما عن موضوع الإخوان المسلمين ، فقد أجبت أجوبة سابقة مفصلة ، ولا داعي لإعادتها الأن ، وخاصة في هذا الوقت ، فالسكوت عنها أفضل في لحظة الفتنة على الأقل .
والله تعالى أعلى وأعلم .
السائل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول تعالى في سورة الروم((منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين 31 من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون )) فهل الاحزاب الاسلامية تقع عليهم هذه الأيه ؟
وجزاكم الله خير
------------------------------------------------
الجواب .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
نعم كل من تفرق وتشعب وانقسم من المسلمين تنسحب عليه هذه الأية ، وكل هذه الفرق في النار إلا ما كان على ما كان عليه محمد (صلى الله عليه وسلم) وصحبه الكرام ، فما لم يكن ديناً على زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) فلن يكون ديناً إلى قيام الساعة ، وقد ذم الله عز الفرقة والتشرذم ، وأمر بالتمسك والإعتصام بحبل الله (( القرأن والسنة )) جميعاً وعدم الإنقسام ، كما في قوله تعالى :
() : {{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} آل عمران .
() وقال تعالى : {{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }} الروم 31 -32 .
() - فَأَقِمْ وَجْهَكَ أَيُّها الرَّسُولُ أَنْتَ وَمَنِ اتَّبَعَكَ لِلدِّينِ الصَّحِيحِ، حُنَفَاءَ مُنِيِبينَ إلى اللهِ تَعَالَى، وَخَافُوهُ، وحَاذِرُوا أَن تُفَرِّطُوا فِي طَاعَتهِ، وتَرْتَكِبُوا مَعْصِيَتَهُ، ودَاوِمُوا عَلى إِقَامَةِ الصَّلاةِ في أَوقَاتِها، وأَتِمُّوهَا بِخُشُوعِها وسُجُودِهَا وَرُكُوعِهَا وَبِحُضُورِ القَلْبِ، فَهِي عَمُودُ الدِّينِ، وهِيَ تُذكِّرُ المُؤمِنَ بِرَبِّهِ في كُلِّ حِينٍ، وتَحُولُ بينَهُ وبَينَ الفَحْشَاءِ وَالمْنَكَرِ، وأَخْلِصُوا العِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ، وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ .
مُنِيبِينَ- رَاجِعِينَ إِليه بالتَّوبَةِ والإِخْلاصِ.
() - وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ الذِينَ بَدَّلوا دِينَهُمْ ، وَغَيَّروا فيهِ ، وآمَنُوا بِبَعضٍ ، وكَفَرُوا بِبِعْضٍ ، فَأَصْبَحُوا فِرَقاً وشِيَعاً ، وَظَنَّ كُلُّ فَريقٍ مِنْهُمْ أنهُ عَلى شيءٍ منَ الدِّين الصَّحِيحِ والهُدَى، فَفَرِحَ بِذَلِكَ كَانُوا شِيعَاً - فِرَقاً .
- وهي كما في الحديث الصحيح التالي :
() قال (صلى الله عليه وسلم) : {{ افترقتِ اليهودُ على إحدَى وسبعينَ فِرقَةً ، فواحدةٌ في الجنةِ وسبعين في النارِ ، وافترقتِ النّصارى على اثنينِ وسبعينَ فرقةً فواحدةٌ في الجنةِ وإحدى وسبعينَ في النارِ ، والذي نفسي بيدهِ لتفتَرِقنّ أمّتي على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً ، فواحدةٌ في الجنةِ وثنتينِ وسبعينَ في النارِ ، قيلَ يا رسولَ اللهِ من هم ؟ قال : همُ الجماعَة }} .
الراوي: عوف بن مالك الأشجعي المحدث:الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1492 خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد رجاله ثقات .
() وفي رواية : {{ افترقتِ اليهودُ على إحدَى وسبعينَ فرقةً , وافترقتِ النصارَى على اثنتَينِ وسبعينَ فرقةً , وستفترقُ هذه الأمةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدةً، قيل : من هي يا رسولَ اللهِ؟ فقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : مَن كان على مِثلِ ما أنا عليه وأصحابِي }} .
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث:ابن باز - المصدر: مجموع فتاوى ابن باز - الصفحة أو الرقم: 264/4 خلاصة حكم المحدث: [ثابت] .
() ولا شك أن المسلمين قد افترقوا وبلغوا 73 فرقة ، وقد عدهم إبن الجوزي (رحمه الله) وسماهم في كتابه تلبيس إبليس .
ولا تستغرب أخي محمود أن فرق الشيعة الروافض فقط لوحدهم يبلغون 52 فرقة .
هذا والله تعالى أعلى وأعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق