أدب وتأدب الأنبياء والمرسلين في ردهم على رب العالمين  - موقع الشيخ جميل لافي  
  • Integer vitae nulla!

    بسم الله الرحمان الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين وعلى إخوانه النبيّين والمرسلين ....

  • Suspendisse neque tellus

    بسم الله الرحمان الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين وعلى إخوانه النبيّين والمرسلين ....

  • Curabitur faucibus

    بسم الله الرحمان الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين وعلى إخوانه النبيّين والمرسلين ...

الأحد، 26 أغسطس 2018

أدب وتأدب الأنبياء والمرسلين في ردهم على رب العالمين 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ،
وبعد ،
هذه بعض مواقف أدب وتأدب الأنبياء والمرسلين في ردهم على رب العالمين :

قال الامام ابن القيم رحمه الله في بيان تادب الانبياء مع الله سبحانه وتعالى :
وتأمل أحوال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع الله ، وخطابهم وسؤالهم . كيف تجدها كلها مشحونة بالأدب قائمة به ؟

قال المسيح عليه السلام إن كنت قلته فقد علمته ولم يقل : لم أقله . وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب . ثم أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسره . فقال : تعلم ما في نفسي ثم برأ نفسه عن علمه بغيب ربه وما يختص به سبحانه ، فقال ولا أعلم ما في نفسك ثم أثنى على ربه . ووصفه بتفرده بعلم الغيوب كلها . فقال إنك أنت علام الغيوب ثم نفى أن يكون قال لهم غير ما أمره ربه به - وهو محض التوحيد - فقال : ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم) ثم أخبر عن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم . وأنه بعد وفاته لا اطلاع له عليهم ، وأن الله عز وجل وحده هو المنفرد بعد الوفاة بالاطلاع عليهم . فقال : (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ). ثم وصفه بأن شهادته سبحانه فوق كل شهادة وأعم . فقال : وأنت على كل شيء شهيد ثم قال : إن تعذبهم فإنهم عبادك وهذا من أبلغ الأدب مع الله في مثل هذا المقام . أي شأن السيد رحمة عبيده والإحسان إليهم . وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيدا لغيرك . فإذا عذبتهم - مع كونهم عبيدك - فلولا أنهم عبيد سوء من أبخس العبيد ، وأعتاهم على سيدهم ، وأعصاهم له - لم تعذبهم . لأن قربة العبودية تستدعي إحسان السيد إلى عبده ورحمته . فلماذا يعذب أرحم الراحمين ، وأجود الأجودين ، وأعظم المحسنين إحسانا عبيده ؟ لولا فرط عتوهم ، وإباؤهم عن طاعته ، وكمال استحقاقهم للعذاب .

وقد تقدم قوله : إنك أنت علام الغيوب أي هم عبادك . وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم . فإذا عذبتهم : عذبتهم على علم منك بما تعذبهم عليه . فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه واكتسبوه . فليس في هذا استعطاف لهم ، كما يظنه الجهال . ولا تفويض إلى محض المشيئة والملك المجرد عن الحكمة ، كما تظنه القدرية . وإنما هو إقرار واعتراف وثناء عليه سبحانه بحكمته وعدله ، وكمال علمه بحالهم ، واستحقاقهم للعذاب .

ثم قال : وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ولم يقل : الغفور الرحيم ، وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى . فإنه قاله في وقت غضب الرب عليهم ، والأمر بهم إلى النار . فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة . بل مقام براءة منهم . فلو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم لأشعر باستعطافه ربه على أعدائه الذين قد اشتد غضبه عليهم . فالمقام مقام موافقة للرب في غضبه على من غضب الرب عليهم . فعدل عن ذكر الصفتين اللتين يسأل بهما عطفه ورحمته ومغفرته إلى ذكر العزة والحكمة ، المتضمنتين لكمال القدرة وكمال العلم .

والمعنى : إن غفرت لهم فمغفرتك تكون عن كمال القدرة والعلم . ليست عن عجز عن الانتقام منهم ، ولا عن خفاء عليك بمقدار جرائمهم ، وهذا لأن العبد قد يغفر لغيره لعجزه عن الانتقام منه . ولجهله بمقدار إساءته إليه . والكمال : هو مغفرة القادر العالم . وهو العزيز الحكيم . وكان ذكر هاتين الصفتين في هذا المقام عين الأدب في الخطاب .

وفي بعض الآثار حملة العرش أربعة : اثنان يقولان : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك . لك الحمد على حلمك بعد علمك . واثنان يقولان : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك . لك الحمد على عفوك بعد قدرتك . ولهذا يقترن كل من هاتين الصفتين بالأخرى . كقوله : والله عليم حليم وقوله : فإن الله كان عفوا قديرا .

وكذلك قول إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم : الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ولم يقل : وإذا أمرضني . حفظا للأدب مع الله .
فلا يُنسب المرض إلى الله عز وجل مع أنه هو الذي يُمرض ، فلا يجوز نسبة أي شرٍ إلى الكبير المتعال تأدباً .
وكذلك قول الخضر عليه السلام في السفينة فأردت أن أعيبها . ولم يقل : فأراد ربك أن أعيبها . وقال في الغلامين : فأراد ربك أن يبلغا أشدهما .

وكذلك قول مؤمني الجن : وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض ولم يقولوا : أراده بهم . ثم قالوا : أم أراد بهم ربهم رشدا .

وألطف من هذا قول موسى عليه السلام (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) ولم يقل : أطعمني وقواني .

وقول آدم عليه السلام ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ولم يقل : رب قدرت علي وقضيت علي .

وقول أيوب عليه السلام . (مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) . ولم يقل : فعافني واشفني أو ينسب الضر إلى ربه عز جل .
فكثيراً ما نسمع ألفاظاً تـُقال في حق الله تبارك وتعالى ، قمة في قلة الأدب :
كأن يقول :
ربِ يسر ولا تـُعسر ، فلا يجوز أن ننسب العسر إلى الله عزوجل ، مع أنهما جميعاً من الله سبحانه .
فلو خاطب أحدنا مسؤولاً أو حاكماً فهو يتأدب معه ، وإذا أراد أن يُعلمهُ أنه عمل خطئاً أو أخطأ بشيء ، فإنه يقول له ذلك بطريقة مؤدبة وبها تورية ، كأن يقول له : هذا جيد وممتاز ، ولكن لو عملته بهذه الطريقة يكون أكمل حُسناً وأفضل .

فربنا عز وجل أحقُّ أن نتأدب معه وأن نـُجلهُ ونعظمهُ ونوقرهُ ، سبحانه وتعالى عما يصفون .
هذا والله أعلى وأجل وأعلم .
الشيخ جميل لافي
20 / 7 / 2011َ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق