|
(•) طُرح هذا السؤال على الشيخ إبن عثيمين (رحمه الله) :
السؤال :هل يجوز التقليد في أبواب العقيدة، أم لابد من الأخذ بالدليل ؟
(•) فأجاب الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : يجوزالتقليد في العقائد مما لا يتمكن معرفته بالدليل، ولهذا نرى العامة الآن كلهم يقلدون، بل قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]
سؤالنا أهل الذكر عن هؤلاء الرسل معناه أن نقلد المسئول ونأخذ بقوله ، فالتقليد في المسائل العقدية كالتقليد في المسائل العملية تماماً ولا فرق، فالذي لا يستطيع الوصول إلى الحق بنفسه ففرضه التقليد {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] .
وأما من قال: إنه لا يصح إيمان المقلد . فمقتضى قوله : أن العوام من الناس لا يصح إيمانهم ؛ لأنهم إنما بنوا إيمانهم على التقليد ، علمائهم قالوا كذا يقولون كذا.
لقاء الباب المفتوح (94/22)
(•) المسألة الأولى "العلم" فكأن قائلا قال له ما العلم ؟ ففسر العلم بأنه "معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة "، فهذا هو أعلى العلم وأعظم العلم وأول العلم ؛ أن يعرف العبد ربه وأن يعرف نبيه وأن يعرف دينه بالأدلة ، فإن قال لنا قائل : ما الدليل على هذا التفسير ؟ قلنا: إن الشيخ -رحمه الله- أخذ ذلك من حديث البراء -رضي الله عنه- في السؤال في القبر فإن هذا يدل على أن هذا هو أعظم ما ينبغي أن يتعلمه المسلم، ولا يكفي العلم المجرد-أيها الإخوة- بل لا بد من العلم مع الاعتقاد والعمل، لا يكفي أن يعلم العبد الله وأن يعرف الله وأن يعرف النبي محمدا صلى الله عليه وسلم وأن يعرف دين الإسلام بدون اعتقاد بل لا بد من الاعتقاد ولا بد من العمل فإن المنافقين عرفوا الله وعرفوا نبيه صلى الله عليه وسلم وعرفوا دين الإسلام وقالوه بألسنتهم لكنهم لم يعتقدوه بقلوبهم فلم ينفعهم، وقد سمعنا في حديث البراء بن عازب -أيها الإخوة- أن الرجل الفاجر عند السؤال يقول: "هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون ذلك فقلته"، فهو كان يقول ولكن ليس عن اعتقاد وإنما كان ذلك محاكاة للناس، ولذا قال المصنف -رحمه الله-: " العلم وهو معرفة الله "؛ معرفة الله -يا إخوة- تكون بالقلب بأن يعلم المسلم بقلبه معتقدا اعتقادا جازما لا شك فيه أن الله -عز وجل- ربه، وهذه المعرفة تستلزم القبول بشرعه -سبحانه وتعالى- والإذعان والإنقياد والتسليم والتحكيم، فواجب على المسلم أن يعرف ربه، أن يعرف ربه بأفعاله فيعرف أن ربه الذي خلقه ورزقه ورباه بنعمه وخلق جميع المخلوقات وهذا ما يعرف عند علمائنا بتوحيد الربوبية الذي هو توحيد الله بأفعاله -سبحانه وتعالى-. ويعرف ربه -عز وجل- بألوهيته وأنه الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي صالح ولا بشر معظم ولا جن ولا صنم ولا غير ذلك، فلا معبود بحق إلا الله -سبحانه وتعالى-، يجب أن يعلم المسلم بهذا؛ يقول الله -عز وجل-: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} وسيأتي هذا إن شاء الله. ويعرف ربه أيضا بأسمائه وصفاته، فيعرف أسماء الله ويعرف صفات الله التي ثبتت في الكتاب والسنة، يعرفها ويثبتها ويؤمن بها كما سيأتي إن شاء الله؛ وهذه المعرفة -أيها الإخوة- يجب أن تكون عن الأدلة فلا ينفع فيها التقليد المحض بدون اعتقاد ولا ينفع فيها اتباع كلام الناس بدون اعتقاد ولذلك قال إمامنا -رحمه الله-:" هو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة" قوله رحمه الله: "بالأدلة" يرجع إلى الثلاث المعارف: إلى معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام، فيجب أن تكون معرفتك لله بالأدلة لا بالتقليد المحض الذي لا ينتج اعتقادا، وهنا -يا طلاب العلم يا معاشر المؤمنين- مسألتان يجب فقههما حتى لا تزل القدم في هذا الباب:
المسألة الأولى : هي مسألة وجوب أن يتعلم المكلف هذه الأمور بالأدلة وعدم جواز التقليد فيها، وهذه المسألة -يا إخوة- عند علمائنا تعرف بمسألة الطريق.
|
(•) والمسألة الثانية : مسألة حكم من قلد في هذه الأمور هل يصح اعتقاده أو لا يصح؟ وهذه تعرف عند علمائنا بمسألة الغاية، فالإعتقاد له طريق والإعتقاد هو الغاية، ومن شراح الأصول الثلاثة من قال: إن قول الشيخ هنا: "بالأدلة" وافق فيه المعتزلة؛ وهذا سوء فهم، ومنهم من قال: إن هذه الأمور يجوز أخذها بالتقليد؛ وهذا سوء علم، وهذان السببان -أيها الإخوة- أهم أسباب الإنحراف عن الحق: سوء الفهم وسوء العلم، فإذا أضفت لهما الثالث اجتمعت الأسباب ألا وهو سوء القصد، فمن ساء قصده انحرف عن الحق، ومن ساء فهمه انحرف عن الحق سواء ساء فهمه في فهم الأدلة الشرعية كما وقع للخوارج الذين نزلوا الآيات التي في الكفار على المؤمنين؛ أو ساء فهمه في فهم القواعد الشرعية كما وقع للمكفرة في سوء فهمهم لقاعدة أن من لم يكفر الكافر فهو كافر؛ أو ساء فهمه لكلام أهل العلم فإنه ينحرف عن الحق؛ أو ساء علمه سواء كان جاهلا فتكلم في المسائل بجهل، أو كان عالما علما لا ينفع فكان جاهلا وهو يظن أنه عالم كبعض المتزعمة في هذا العصر يؤلفون الكتب وينتجون الأشرطة وإذا نظرت في كلامهم وجدته جهلا وهم يظنون أنهم أئمة، وهذا هو الجهل المركب عند أهل العلم، ومن ساء علمه انحرف عن الحق؛ فإذن على طالب العلم، على طالب الحق، على المسلم أن يُحكم هذه الأمور الثلاثة فيراقب القصد فيكون قصده حسنا، يكون قصده الحق، وينظر في الفهم فيكون فهمه حسنا، ومتى يكون حسنا؟ إذا كان على فهم السلف، فهذا هو الفهم الحسن للدين الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وينظر أيضا في علمه هل هو علم حسن أو سيء، فيحرص على أن يكون حسنا.
- أعود للمسألتين :
(•) المسألة الأولى : هل يجوز للمسلم أن يأخذ هذه الأمور بالتقليد؟
(•) والذي عليه جمهور العلماء وجمهور أهل الحديث أنه لا يجوز تعلم المسائل الكبار بطريق التقليد بل تعلمها بالأدلة فرض عين ، فيجب على كل مسلم أن يطلب علمها بالأدلة .
(•) وأما المسألة الثانية وهي : ما الحكم لو أن مسلما قلد في هذه الأمور ولم يتعلم ؟ أخذ ذلك عن العلماء بالتقليد أو أخذ ذلك عن أهله بالتقليد ولم يتعلم .
نقول : التقليد هنا -كما ذكر العلماء- له حالتان :
1 - أن لا يُنتج اعتقادا ولكن الإنسان يردد ما يردده الناس من غير اعتقاد، وهذا لا ينفع كما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
2 - أن يُنتج اعتقادا فيعتقد ذلك اعتقادا جازما، وهذا عند أهل السنة والجماعة يصح اعتقاده وهو مسلم خلافا للمعتزلة ، المعتزلة يقولون لا يصح اعتقاده إلا إذا كان عن طريق الأدلة العقلية ، أما أهل السنة والجماعة فيقولون : من اعتقد اعتقادا صحيحا جازما صح اعتقاده ولو كان ذلك بطريق التقليد .
(•) نقلت لك هذا من كلام الشيخ إبن عثيمين (رحمه الله) في تفصيل هذه المسألة .
والله تعالى أعلى وأعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق